واقع الثقافة السياسية المغربية، رشيد أبودرار

بقلم: رشيد أبودرار

ما أكثر الكتابات التي تكتفي بوصف الواقع, دون أن تنفذ إلى عمقه, وفي حين نجد كثير من أن هذا الواقع يصف نفسه بنفسه, ولا يحتاج لوصف واصف, بقدر ما يحتاج إلى من يفكك جزيئاته, ويضع كل قطعة فيه تحت المجهر, لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى خلق مثل هذا الواقع المحبط. وهذا النوع من الكتابة, (التي تتكئ على التحليل والتعليل), هي التي تضع القارئ في مناخ الفهم, والكاتب هنا بمثابة المصباح الذي ينير الطريق أمام الراجلين وسط الظلام, الذي يلف العقول والنفوس, ويجعلها تقوى على طرح الأسئلة, والحقيقة أن هناك قضايا كثيرة, فرضتها التحولات الاجتماعية؛ والاقتصادية والسياسية, ينبغي مناقشتها بعيدا عن أي انفعال أو تعصب, أو خلفيات حزبية, التي تنظر إلى الواقع من ثقب إبرة.
إقرأ ايضا لـ: رشيد أبودرار
  حزب سياسي امازيغي ضرورة حتمية في ظل الاعتقال والاغتيال السياسيين
 الثقافة الأمازيغية من الزاوية الحقوقية

فلابد على كافة الفاعلين ومهتمين بالشأن السياسي أن يجعلوا من النقاش وسيلة لحل مشاكلنا، وقاعدة ننطلق منها في بناء الدولة العصرية الديمقراطية, التي تتعدد فيها وجهات النظر، بغض النظر عن الجهات التي تطرحها، هل هي رسمية أو غير ذلك, أقلية أو أغلبية. من أجل الوصول إلى هدف مشترك, يخدم الصالح العام, من خلال الفرز في النظرة, بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي, وعلى ضوء هذا التحديد في النظرة, يكون للسياسي (الرغبة والتمني) وللاقتصادي تحقيق هذه الرغبة, وفق ما تطلبه النظرة الاقتصادية, من إمكانية تحقيقها من عدمها, وللمبدع الحلم والرؤيا, وطرح الأسئلة التي تبدأ بكيف, لأنها تلغي الإجابات التبريرية.
إن فتح النقاش حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد, هو الذي يدفع بنا إلى رؤية الطريق الصحيح, بحيث كلما تعددت الآراء, حول مسألة من المسائل, إلا وازدادت وضوحا وازدادت إمكانية القبض عليها, من الموضع الصحيح, وغياب النقاش يأتي من غياب الثقافة السياسية لدى الأحزاب, التي لا تفتح باب النقاش, لا بين مناضليها , ولا مع معارضيها, وإن حدث نقاش بين حزب وآخر, وهو نادرا ما يحدث, فهو لا يتعدى أن يكون ملاسنات عجائز, تتصف بالعموميات من التصريحات الصحفية, ولا تتعداها الى الكتابات الفكرية, التي من شأنها تنوير الرأي العام.
إن الأحزاب عندنا لا تفتح باب النقاش ولا تطرح الأفكار, وذلك لغياب المثقفين في قياداتها, والمثقف الذي نعنيه هنا, هو المثقف الذي ينشئ الأفكار والتصورات, وما يؤسف له حقا, أن هذا المثقف إذا ما انخرط في حزب من الأحزاب, يلحقه التهميش, بوصفه صاحب آراء وتصورات, ويناقش كل كبيرة وصغيرة, ويشعر أنه في اتصال مع المجتمع, أكثر من الحزب الذي ينتمي إليه, وهو اتصال من شأنه تعميق وعي الناس بحاضرهم, الذي سيولد عنه مستقبلهم, والحاضر الجيد ينتج عنه المستقبل الجيد، ما في ذلك شك
أن غياب المثقف الفاعل داخل الأحزاب, جعل منها جسدا بلا روح, ولهذا فإنها تنظر إلى الثقافة نظرة فيها الكثير من التهميش, ولا تعيرها أدنى اهتمام, والبعض يرى أنها ليست من اهتمامات حزبه، في حين أن الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد, وتعرفها اليوم أيضا هي ناتجة عن أزمة ثقافية حادة.
انعدمت فيها سبل الحوار الحضاري, بين الأطراف المتصارعة على السلطة, وكان بالإمكان فتح سبل الحوار داخل الأحزاب, ومنها إلى وسائل الإعلام الأخرى, كالتليفزيون الذي كان ولازال قادرا على إثارة النقاش, حول قضايا سياسية واجتماعية, مثل ما تفعل الكثير من القنوات الأجنبية التي تناقش قضايانا من خلال مثقفينا, لأن التليفزيون قادر على رفع مستوى الوعي لدى الناس, من خلال الحصص الفكرية, التي تسمح بإضاءة الكثير من المسائل.
التعليقات
قد يعجبك ايضا