علي أزايكو : الأصالة و العمق في العودة الى الثقافة الشعبية [مقال 1968]

هذا مقال كتبه الدكتور علي صدقي أزايكو و نشرته مجلة صوت الجنوب العدد 3 يوم 30 دجنبر 1968
[ملاحظة : يمكنك تحميل هذا المقال بتصميم و شكل جديد هنا [PDF] او رؤيته في صورة واضحة بالضغط هنا ]
***
  • الأصالة و العمق في العودة الى الثقافة الشعبية
  • الادب البربري غني و اصيل
  • ميدان واسع لهواة البحث من شبابنا
المقال يوجد ايضا على المدونة الرسمية للكتور علي ازايكو: ALI S. AZAYKOU

اذا كانت الثقافة الشعبية قد أصبحت تحظى باهتمام الدول المتقدمة، و إذا كانت هذه الدول تعطي القيمة الكبرى حتى لبعض الثقافات المحدودة، و إذا كان الفكر الانساني في عودة الى التراث الشعبي معتبرا اياه مصدرا هاما من مصادر الثقافة الانسانية، و درة ثمينة لا مجال لإهمالها نحو تحقيق العالمية المرتجاة و الإنسانية الشاملة،  اذا كان الأمر كذلك في بعض الدول المتقدمة فإن الواقع عكس ذلك في دول العالم الثالث على الخصوص. هذا أمر طبيعي في مثل هذه المرحلة الحاسمة التي تجتازها هذه الدول أو بالأحرى هذه الشعوب، انها مرحلة الانفتاح على العالم المتمدن عالم الالة و العلم، مرحلة نفض الغبار و مع نفض الغبار تسقط اشياء ثمينة لم ندرك بعد قيمتها، مرحلة الانعتاق من القيود البالية، قيود التقاليد و الخرافات و الماضي - المظلم - ، كل هذا حسن نظريا ما دام الفكر الثوري ((موضة العصر)) هو الدافع الى كل هذا. و لكن المؤسف حقا هو ان هذا الفكر الثوري جارف جدا كثيرا ما يتصرف باللاوعي و الاندفاع مما يجرده فعلا من كل صبغة ثورية حقيقية. و بذلك يأتي في – الغالب- على الاخضر و اليابس فيسق في مكيال واحد الحب و الحصى فيكتسبان قيمة واحدة أي ان الكل لا يعدو ان يكون حصى لا غير.
ان الناظر المتأمل ليلاحظ كل هذا في بلادنا المغربية العزيزة، التي عرفت هذه المرحلة الحاسمة و التي بدأت بقليل قبل الاستقلال و اتخذت شكلا أعنف بعد الاستقلال، حيث اصبح التعلق بالشرق شديدا الى حد العمى عند عدد كبير من المغاربة و خاصة العامة الشعبيين في المدن و المثقفين باللغة العربية. بينما تعلق البعض الاخر بالغرب، و لكن تعلق هؤلاء بالغرب لم يكن كشدته عن الاوائل بالشرق و بين هذه و تلك ضاع وطننا المسكين. او بعبارة اخرى فقد المغرب المرتبة الأولى التي يمتاز بها الوطن في قلوب أبنائه حتى انه يمكن القول بأن الوعي القومي في هذه المرحلة لم يكن واضحا ولا ناضجا، و لعل لكل ذلك أسبابا اجتماعية و سياسية و تاريخية و اقتصادية بطبيعة الحال. ان مرتبة الوطن العاطفية حين تكون موضع مساومة لدليل فعلا على انهيار الوعي القومي عند شعب ما و تلك بداية واضحة للانحطاط الاجتماعي الشامل و اضاعة لشخصية الأمة و مقوماتها، و محو لأصالتها التي تكمن في تراثها الشعبي.
و هكذا كانت الثقافة الشعبية المغربية من بين ضحايا التأثر الثقافي الزائد و الغير الواعي بالشرق و بالغرب فكان ان ضاع منه الكثير بضياع اهله و هواته أو بانكماشهم أو بنفضهم ايديهم منه و اخص هنا الأدب الشعبي الكلاسيكي: ان صح هذا التعبير، اذا اعتبرنا انه ببداية فترة الاستقلال تبدأ فترة جديدة في موضوعها و شكلها و اهتماماتها.

و اذا ذكرنا الادب الشعبي في بلادنا فأول ما يحضر على البال هو الادب البربري الذي تتسع رقعته في المكان و الزمن لتشمل جزءا هاما من بلادنا و لتمتد جذورها الى ماض عريق في القدم، فهو بالفعل احسن معبر عن مشاعر اغلبية ابناء هذه البلاد، المشاعر الرقيقة التي يعبرون عنها بواسطة لغتهم البربرية ادق تعبير و ارقه  و المؤسف حقا هو هذا الاهمال الذي يلقاه هذا التراث الوطني الهام من طرف ابنائه  مع ان غناه و غزارته و تنوعه شيء لا يناقش و لا يحتاج الى دليل و من اراد ان يلمس هذه الحقيقة فما عليه الا ان يتجول عبر القرى و البوادي ليجد في كل قرية و مدشر شاعرا او شاعرة فأكثر، و ليجد في نفس الوقت ان اهل القرية جميعهم مولعون بالشعر و الغناء و بكل ما هو جميل من فنون و آداب.
الا ان كل ذلك لا يمنعني من القول بأن المهتمين بالأدب البربري يقلون يوما بعد يوم، و لذلك اسباب عديدة منها ما اشرت اليه سالفا اي طبيعة المرحلة الحالية التي لا يزال مفعولها قويا في البوادي و المدن المغربية.
و لئن كان بعض الشباب يحبون احساسا خفيفا بأهمية هذا الجانب من ثقافتنا، فإن احساسهم هذا لم يتجاوز بعد صدورهم اي ان البادرة العملية لإنقاذه و جمعه لم يظهر لها بعد.
اقول هذا و في بالي محاولة الاخ احمد امزال الذي جمع اشعارا مختلفة نظمها شعراء بربر و لحنوا بعضها و غنوها في نفس الوقت انها محاولة عملية  اولى لجمع الادب البربري و تدوينه. و بهذه المناسبة لا يفوتني ان اذكر بعض الملاحظات التي فرضت علي نفسها و انا اتصفح هذا الديوان ((أمنار)).
1-   ان اخراج مثل هذا الكتاب محاولة جريئة في حد ذاتها نظرا للحد الذي سيضعه بين فترة الصمت عن الادب البربري و اهماله و بين ما اسميه بالعودة اي الرجوع الى الاصالة الشعبية الكامنة في ادبنا شعرا و اسطورة و حكاية ...
و قد لوحظ فعلا انه احدث تساؤلات كثيرة و متناقضة بين عدد من المغاربة، كل و تفكيره و مستواه. فهناك من نظر اليه نظرة واقعية وطنية اي كمحاولة لجمع شتات الاجب الشعبي في هذه البلاد الغنية، و هناك من القى عليه نظرة شزراء و مستغربة في ان واحد ثم هناك من لا يبال. و هذا النوع اللامبالي هو الكثير من بين ابناء بلادنا.
2-   و بما ان المحاولة اولى من نوعها فإنها تظم بعض الاخطاء ليست ذات خطر اولها هو طريقة الكتابة التي استعملها الاخ احمد امزال هذه الطريقة ارى انها ليست عملية نظرا لصعوبة قراءتها حتى على الذين يتقنون البربرية و مرجع هذا هو قلة اهتمام الكاتب بفصل كل كلمة عن اختها فمثلا نجد انه كتب كلمة ((ايان اور)) هكذا ((ايانور)) و كلمة ((د ودي)) هكذا ((دودي)) الى آخره.
و هناك هنات اخرى ترجع فيما اعتقد الى نقص في الحروف المطبعية. مثل عدم وجود حرف ((الكاف)) و فوقه ثلاث نقاط و عدم وجود بعض الاصوات كالصوت الواقع بين الكاف و السين في كلمة ((اسكواس)) السنة.  فقد كتبها هكذا اسكاس مع ان كتابتها بهذا الشكل سيؤدي حتما الى قراءتها خاطئة. و لكي تنطق هذه الكلمة و شبيهاتها نطقا صحيحا من البحث عن اشارة تعبر عن الصوت المذكور.
ثم ان هناك حروفا اخرى مفخمة لا توجد في الحروف العربية التالية: مثل الزاي في كلمة ازاير (الكوس) و الراء في كلمة اراض ((الطفل)) ..
3-   النقد الاخر الذي يمكن ان يوجه الى صاحب ((امنار)) هو عدم ذكره لأسماء الشعراء الذين نظمو القصائد الواردة في الديوان مع علمنا انه وضع هذه القصائد . اللهم الا اذا كان لا يعرف من وضعها.
تلك نظرة سريعة القيتها على امنار الذي اعتبره مع كل ما سبق وثيقة هامة من وثائق ثقافتنا الشعبية التي ارجو ان تتبعها محاولات اخرى تكون اساس و نقطة انطلاق  لمعرفة مجتمعنا و التعمق في تفكيره و فلسفته و الاحساس بعواطفه الحقيقية التي لا ابالغ اذا قلت انها من الاصالة و الدقة بمكان. يعاب علينا تركها للأجانب يمضغونها في غير فهم و لا ادراك.
علي أزايكو - Ali Azaykou - ⵄⴰⵍⵉ ⴰⵣⴰⵢⴽⵓ
صوت الجنوب، العدد 3، 30 دجنبر 1968
التعليقات
قد يعجبك ايضا