تقرير حول حرية الإعلام و الصحافة في ليبيا 2016 أعده عبد الواحد حركات


تقرير حول حرية الإعلام والصحافة في ليبيا للعام 2016م
إعداد / عبدالواحد حركات
عام كراهية
انقضت سنة .. كانت سوداء بامتياز على حرية الرأي والتعبير في أغلب دول الشرق الأوسط، ولكن سوادها كان أكثر قتامة وأشد في ليبيا البلد الصغير- الكبير الذي لازال منذ خمس سنوات يعايش مخاض التغيير وتتقاذفه الأهواء بين ماض ومستقبل، ولازالت تلتقي فيه المتناقضات لترقص على ركح واحد وتتعانق خلسة لتعاود شقاقها الأسطوري أمام العلن المرصود للتلقف والموسوم بالبراءة المفخخة بالسذاجة..!
صار الإعلام عموماً ساحة معركة وطبل حرب ومنبر تأزيم، وصار وسيلة ارتزاق وماكينة لغسيل الأموال، وصار عدوا شرسا، وحاسدا لئيما، ومقامرا محترفا ومرابيا جشعا، وطليقا حاقدا، وأمسى صدقه يضمحل وريادته تتشوه، وحياده ينقرض، وانتهج عنوة نهج الصعلكة وأدمنها حتى صارها فعلياً..!

يبدو ان الكاتب لم ينتبه للعبارة "المنطقة العربية" و ايضا لكون بعض المنضمات لا تزال تحسب شمال افريقيا ضمن ما يسمى "العالم العربي"

بات الإعلام هو الوسيلة "الإنسانية" الأمثل لقتل الإنسان..!

         ظهرت ليبيا كإحدى ثماني بؤر سوداء على خارطة حرية الصحافة العالمية للعام "2016"، وتمركزت بالمرتبة 164 من 180 دولة على مستوى العالم، وعانت خلال العام من تردي حالة الإعلام شأنها في ذلك شأن منطقة الشرق الأوسط عموماً، وتحولت إلى حاضنة للعنف والتطرف، ومنطقة مفخخة وخطرة تتنازعها الصراعات بين أطراف مؤدلجة وطوائف وعشائر متخاصمة أو بين الأنظمة الحاكمة والمعارضة، وتجاذبت ليبيا توجهات كثيرة ألقت بظلالها علي الإعلام الليبي الذي كان وسيلتها الأنجع، والذي اتسم بجوبلزية رهيبة جعلته يصطف جهاراً ضمن كراديس الطائفية والعشائرية والقبلية، وينطوي طوعاً وكرهاً تحت رايات وقناعات المؤدلجين، ويتحول إلى بندقية مأجورة تخدم ملاكها وتحل الدماء والاعتداء وتذل البسطاء والفقراء وتهين الأبرياء..!

         الضباب والغموض يلف ركح وأروقة ودهاليز الإعلام الليبي ومنابره ومؤسساته، والحراك الإعلامي داخل ليبيا مشتت ومبعثر ومتضاد ومتناقض مناطقياً، وبذات الوقت منوع ومفخخ بالجوبلزية ومشحون بالنعرات والإزدراء والسباب والشتم، ويكاد في عمومه يكون مكسواً كلياً بخطابات التحريض على الكراهية والعنف والانقسام وعداء الآخر، بشكل جعل كثير من الإعلاميين والصحفيين مليشيات تمتهن الخطابة التعبوية المدججة بمصطلحات ومفردات استفزازية وعدائية، تخاطب المشاعر وتتلاعب بعواطف الشعب إلى الحد الذي تبلدت فيه العقول وتخشبت القناعات وأقصيت النخب، واستبعدت كل فرص التفكير الهادئ والمنطقي لصالح هرطقات بدائية وخيالات رجعية محشوة بشعارات شعبوية قاصرة عن مجاراة الواقع والتعايش باسلوب حضاري قوامه السلم والاحترام..!

أمام الفوهة ..

         الإعلام عموماً والصحافة خصوصاً لها وجه آخر يتمثل في المسئولية، وعدم التكفل بالمسئولية يوزاي فناء الحقيقة وتكاثر الزيف، فالواقع أن الإعلام والصحافة لا وجود لهما وفق مبادئهما في ليبيا، فالأوضاع السياسية والأمنية السيئة في ليبيا أوجدت أوضاعاَ إعلامية وصحافية أكثر سوءاً، فانقسمت المؤسسات الإعلامية إدارياً وانقسمت خطاباً وأهواءً وتوجهت أصابع الاتهام لبعضها بالتبعية لدول خارجية، واعتمدت أغلب مؤسسات الإعلام على المال السياسي بالدرجة الأولى، واختلاف المصالح والرؤى السياسية جعل من الحقيقة حقائق نسبية، تجندت لها مؤسسات الإعلام والصحف تلوكها وتقذفها دون جدوى، وسلطوياً أوجدت كل حكومة هيئة للثقافة وهيئة لتشجيع ودعم الصحافة، وبالمقابل تناقصت الصحف المكتوبة والمجلات والقنوات الفضائية والمواقع الإخبارية الألكترونية في الداخل وتكاثرت بشكل ملفت في الخارج، مما وفر لوسائل التواصل الاجتماعي " الفيس بوك – تويتر – انستجرام" فرصة التصدر واكتساب زخماً وجمهوراً كبيرين، جعل من صفحاتها مصادراً للمعلومة ومرجعية للإعلام في أغـلبه، بطريقة أدت إلى انحدار الإعلام واضمحلال ثقة الجمهور إلى أدنى حد متوقع..!

         قد سيطرت على الإعلام الليبي والصحافة طفرة جوبلزية واشتهر فيه ورثة جوبلز، وسادت خطابات العداء والكراهية مساحات كبيرة على الصحف والمواقع وضمن زمن البث التلفزيوني، وانتشرت مصطلحات لا إنسانية وكثرت الألفاظ والأوصاف المنافية لأعراف الخطاب، ومناقضة كلياً لمواثيق حقوق الإنسان وحرية التعبيرومبادئ المهنة وأخلاقها، وقد طفى التمييز والعنصرية على السطح بطريقة ملفتة ومحرجة، وفي رصد إحصائي لخطابات الحقد والكراهية أجرته مجموعة من الصحفيين الليبيين على وسائل الإعلام الليبي، أسوة بالدراسات التي اجرتها المجموعة العربية لرصد الإعلام في تونس، ومركز البحرين لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية في العراق، ومركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن، التي رصدت خطابات الحقد والكراهية في دولها، وقد خلصت تقارير الدراسة إلى ارتفاع نسبة خطاب الكراهية وكثرة ألفاظها بشكل خطير، تتخللها ألفاظ سباب وشتم وتهديد وتشهير وتحريض وازدراء، إلى جانب اتهامات لا تستند إلى دلائل وتجريم وتخوين بلا مبررات، في حين لاحظت المجموعة الدارسة أن خطاب الحث على المصالح والدعوة للاستقرار والسلم الأهلي يتضاءل ويكاد ينعدم في بعض وسائل الإعلام المكتوبة أو المتلفزة..!


         الحقيقة الصادمة أن مخاطبة عوام الليبيين تتم من عواصم خارجية، وتتم التغطيات الداخلية على استحياء وباستراق، وتعتمد وسائل الإعلام من فضائيات وصحف على الاتصالات والعلاقات الشخصية، أو على صفحات الفيس بوك والتويتر بشكل يقلل من مصداقية المادة الإعلامية، وينزع عنها الحيادية ويجعلها وسيلة قتالية لطرف في نزاع، في حين انعزلت الصحف في الداخل عن واقع البلاد بشكل نسبي والتزم الصحفيون الصمت أو تداولوا العموميات بحثاً عن الأمان، بعدما تحولوا إلي أهداف للمتنازعين وانحصرت حرية الإعلام في زاوية ضيقة يفرضها الطرف المسيطر، والذي يوظف الإعلام لابراز الحقيقة الملوثة التي تخدم مصالحه..!

         أغلب صحف ليبيا تذبذبت في الصدور نتيجة الأوضاع الأمنية وتوقف بعضها لفترة مثل صحيفتي " ليبيا الجديدة والأيام "، ونتيجة ضعف هيئة تشجيع الصحافة وضعف التمويل بالإضافة إلي مغادرة أغلب الصحفيين لليبيا طوعاً وكرهاً، غلبت الفضائيات وقنوات التلفزيون على المشهد الإعلامي، وبلغ عدد القنوات التلفزيونية الليبية الحكومية والخاصة داخل ليبيا وخارجها حوالي "24" قناة، تمول بعضها الحكومات بالغرب الليبي والشرق الليبي، ويمول بعضها الآخر المال السياسي ورجال الأعمال الليبيون وغيرهم، وتمول بعضها الأخير العشائر باعتبارها منبر عشائرياً بالدرجة الأولى وسلاح حرب بالدرجة الثانية، ولهذه القنوات توجهات عديدة ومتعاكسة، تبلغ نسبة القنوات ذات التوجه الديني منها " % 9.09"، ونسبة القنوات ذات الصبغة العشائرية القبلية "%22.72 "، ونسبة القنوات التعبوية العسكرية "% 4.54"، والقنوات الموجهة للرياضة والأطفال نسبتها "% 22.72"، والنسبة الأكبر للقنوات المنوعة التي تبث أغلبها من عواصم خارجية وهي تبلغ "% 31.81"، وتأتي القنوات المعارضة بنسبة " % 9.09"، وتشكل القنوات بمجملها ترسانة تغذي الصراع بخطابات تعبوية محرضة وخطابات مشحونة بالنعرات والأيدلوجيات والكراهية..!


عتاد وضحايا..

         كل النزاعات الليبية التي اندلعت في المدائن والقرى اشتعلت وتأججت إعلامياً قبل أن تمسي كوارث واقعية، وكان عتادها الأول الكلمة والصورة ومن يستعملهما، فالإعلاميون بالصحافة والتلفزيون عتاد حرب وقارعو طبول في أحايين كثيرة، وهم وما يقدمون وقود الحرب وزيتها، ولكنهم في الطرف الآخر ضحيتها الأولى والكبرى، فتخلي الإعلام عن مبادئه وتساقطه في وحل السياسة قضى على قيمته واستقلاليته، وخلال ركضه البائس وراء الساسة في دهاليز السياسة فقد وجوده وكينونته، وتحول الساسة أنفسهم إلي إعلاميين وكتاب أو إلى مقاولي إعلام وأصحاب قنوات، وقد بينت الإحصاءات أن عددا من القنوات التلفزيونية الليبية يمولها الساسة أو تمول لصالحهم، وهنالك عدد من الساسة امتهنوا الإعلام ونقلوا منبر السلطة إلى البرامج، والملاحظ أن إعلام السلطات المتمثل في الناطقين الرسميين للسلطات التشريعية والتنفيذية فقد وجوده ووظيفته، بحيث سيطرة سلطة الأفراد على سلطة المنطق والقانون والعرف..!

         كما هم عتاد حرب هم بالمقابل ضحاياها ومشردوها، فقد أضحى النعي خبراً متكرراً ومتداولاً بكثرة، وأكدت القبور اشتهاءها المريب لأجساد الصحفيين والإعلاميين في ليبيا، وافتتح العام 2016م بمقتل " فيصل المانع " مراسل قناة ليبيا بانوراما في بنغازي، وتوفي الصحفي عبدالحفيظ العدل إثر سكة قلبية أواخر عام 2015م، كما توفي الصحفي والإعلامي عمر السنوسي بفبراير 2016م بمضاعفات سكتة قلبية، وألتحق بهم الإعلامي مفتاح الحجازي في أبريل 2016م.!

         كذلك شهد العام " 2016م" اعتداءات مختلفة طالت الصحفيين والإعلاميين من الجنسين لأسباب مهنية في الأغلب، إذ حدثت أكثر من أربع حالات اعتقال تعسفي لإعلاميين من قبل مجموعات مسلحة وبتهم تخص الإعلام، كما تعرضت مقرات إعلامية في عدة مدن ليبية للاعتداء، وتعرض صحفيون وإعلاميون للتهديد والمطاردة والتهجير بسبب مهنتهم، وتعرض بعضهم إلى إهانات لفظية في أثناء عملهم أو في المحافل داخل ليبيا وخارجها..!

خيوط بيضاء
         رغم سواد واقع الإعلام الليبي فإن ثمة خيوط بيضاء تخترقه وتفرض وجودها عليه، تمثلت في عدة أحداث متميزة على الصعيد الإعلامي، وكان الإعلان عن تأسيس اتحاد الصحفيين الليبيين المستقلين بمايو 2015 م بداية الحراك، حيث سعت من بعده عدة أطراف إعلامية برعاية من منظمة اليونسكو إلى إصدار "وثيقة الالتزام المهني والأخلاقي لمالكي وصناع القرار بالمؤسسات الإعلامية الليبية"، والتي تضمنت ثمانية بنود تؤكد على الالتزام بأخلاقيات مهنة الإعلام والابتعاد عن خطابات الكراهية والتمييز والعنف وتضمنت حرية التعبير بشرط احترام حقوق الإنسان وخصوصيته، وجددت اليونسكو رعايتها لملتقى إعلامي ليبي عقد في المملكة الأردنية الهاشمية في أواخر أبريل 2016م، صدر عنه ميثاق الشرف الصحفي / الإعلامي، متضمناً خمس عشرة مادة تؤكد على كل ما ورد في ميثاق مدريد وخطة عمل الرباط ووثيقة الالتزام المهني الأخلاقي، ويتطرق الميثاق إلي ضرورات مهنة الإعلام والصحافة، ويحدد آليات هذه المهنة ومحاذيرها بشكل صريح..!

التعليقات
قد يعجبك ايضا