لماذا العداء للعلم الأمازيغي و الكراهية تجاهه ؟ [إدوسكا أوفلا نموذجا]

بقلم : أحمد أداسكو
قبل ايام نظم دوري كرة القدم من قبل جمعية بدوار تامرينست، جماعة تومليل (إدوسكا أوفلا)، اقليم تارودانت، شاركت فيه ثماني فرق كل واحدة منها تمثل دوارا، و في احدى المباريات كنت استعد رفقة بعض الاصدقاء لوضع العلم الامازيغي على جانب الملعب المقابل للجانب الذي يتركز فيه الجمهور، و اذا بشخص ابن دوار تامرينست يتدخل و يبدو من ملامحه الغضب يطلب مني بانفعال الا اضع العلم الامازيغي هناك على ذلك الجانب..




و لما سألته عن السبب، كان كلامه فضفاضا غير واضح، و اخبرته انه من حقي وضعه هنا كجزء من اللافتات التي يحملها الجمهور خصوصا ان تلك مباراة الفريق الذي اشجعه، رد بانفعال : "نحن من نظمنا الدوري، و اعددنا الملعب و اقمنا حوله السياج.."،و اخبرته ان من حقي كفرد من الجمهور ان اضع اللافتات و اشجع، بدا ان كلامي اقنعه لكونه لم يعد يتحدث عن التنظيم و كون الملعب "يخصه"، الا انه اعتزم كليا التصدي لي ومنعي من تعليق العلم، و لما رأيت انه بالفعل لا يريد نقاشا و لا حوارا و ان الالفاظ قد تتطور الى السب و الشتم و نعكر اجواء المباراة، قررت الانسحاب و اعادة وضع العلم في الجهة الاخرى التي لا يظهر فيها للجمهور، و تفادي المشاحنات التفاهة ... 
لكن ما اريد مناقشته هنا هو لماذا هذا الشخص، الذي لم يكن عضوا في اللجنة المنظمة، انفعل و تدخل لمنعي من تعليق العلم الامازيغي في المكان الذي اريد (دون التشويش على اللاعبين او تجاوز حدود الملعب) ؟ خصوصا انه لا يملك اي مبرر لذلك و لا اي سبب مقنع. فأنا احترمت حدود الملعب و لم اتجاوزها و علقت العلم في مكان خالي لم يشغله الجمهور حيث تركز في جهة واحدة، فإذن تدخل هذا الشخص لم يكن له اي سبب مقنع و ما انسحابي الا تجاهلي لتصرفه و رغبتي في عدم الدخول في مناوشات تافهة تعكر الاجواء و ليس لانه كان على صواب او ما شابه. و الجواب الوحيد على السؤال اعلاه هو اذن يرتبط بنظرة ذلك الرجل الى العلم الامازيغي، فمن الواضح ان له نظرة عدائية تجاه هذا العلم لاسباب من المرجح اننا نعرفها، لكون مثل هذه التصرفات تتكرر دائما و في اماكن و مناسبات عديدة، و ما تصرفه الا فعل مشمئز ينوب عن شريحة ممن يتفقون معه من الحظور في ذلك الفعل، و من المرجح ان السبب وراء نظرته العدائية تلك، افكار مسبقة اخذها عن العلم الامازيغي و تمازيغت، و هذه الافكار المسبقة من المؤكد انها خاطئة فهي لم تصله من خلال اطلاعه او قرائته او وعية بما تعنيه تمازيغت او القضية الامازيغية، فلو سألناه لماذا قمت بما قمت به لاجاب قائلا: "نحن لا نريد علما يستبدل العلم الوطني " و "نحن مغاربة و لسنا امازيغ.." و غيرها من "الاجابات" التي تحتوي كلاما مغالطا اعتدنا سماعه من قبل من لا يقرأ و لا يطلع و يقول للاخرين ما لم يتفوهوا به ابدا.
و بالفعل فقد قال هذا الرجل لعادل اداسكو "انا مع العلم الوطني و ضد من يريد تغييره"، و هذا يكشف حجم التدليس و الاكاذيب التي تنتشر في هذا المجتمع، فليس هناك في الامازيغ من يطرح العلم الامازيغي كبديل للعلم الوطني (المغربي في هذه الحالة)، و قد اكدنا و لا نزال نؤكد ان العلم الامازيغي علم ثقافي و ليس سياسي، و هو علم هوياتي يعبر عن الهوية الامازيغية الغير قابلة للتجزيء، فليس هناك بين الامازيغيين اي طرح لاستبدال العلم الوطني بالعلم الهوياتي الامازيغي مهما انتقد البعض العلم الحالي و دعا الى تغييره و لكن ليس بالامازيغي، لان من يدعون الى تغيير العلم الوطني -ان وجدوا بالاساس- فهم سيكونون من مختلف الشرائح الاجتماعية و مختلف التيارات الفكرية و السياسية (يساريين، ليبراليين،امازيغيين، اسلاميين، ملكيين...)، و ليس الامر مقتصرا على الحركة الامازيغية. فالعلم الامازيغي يعبر عن هوية مشتركة تربط الامازيغ ليس في المغرب فقط بل في شمال افريقيا و كل العالم، بحيث يعتبر شمال افريقيا الموطن الاصلي للشعب الامازيغي منذ غابر الازمان، ولو كان هذا الشعب عبارة عن مجموعات كبيرة تختلف بدرجات اقل او اكثر فيما بينها من حيث اللغة و الملابس و العادات، و هذا الاختلاف بين المجموعات  طبعا يميز كل الشعوب الكبيرة في العالم، الا انه لا ينبغي ان نبالغ في الحديث عن الاختلافات فما تتشابه و تتوافق فيه  تلك المجموعات الامازيغية الكبيرة من سيوة الى جزر الكناري اكبر مما تختلف فيه، و نخص بالذكر اللغة خصوصا جذورها، و عادات و تقاليد  و اشكال انظمة الحكم تجمع كل امازيغ شمال افريقيا. و ما نحن الا احفاد تلك المجموعات و لم نأتي لا من الشرق و لا من الغرب كما تحاول بعض النظريات العروبية اثباته كالقول اننا من اليمن او من دمشق !
 و لا يهم ما يسمينا الاخرين او مهما كانت التسميات التي نسمى بها أمازيغ، ايشلحين، البربر... فلا يطرح ذلك في الحقيقة اي مشكلة، لان الجوهر هو ما يهم و ما نتشاركه من لغة و ثقافة و تقاليد اي الهوية التي تربطنا، سمي نفسك اشلحي او امازيغي او ما تشاء فذلك لن يغير من هويتك شيئا. فقط نفضل تسمية امازيغ لانها تاريخية و تجمع اكبر عدد من المجموعات الامازيغية عكس اشلحي التي تقتصر عادة على امازيغ الجنوب بالمغرب. اما بالنسبة للوطنية فلا تقبل المزايدات بأن يقول احدهم انه ينتمي للوطن و ان "النشطاء الامازيغ" لا ينتمون للوطن، فأخلاقيا و قانونيا ايضا لا احد له الحق في اقصاء الاخر من الوطن -ولو تصريحا او قولا-  لاننا جميعا نعيش في دولة و نعترف بمؤسساتها و رموزها و لدينا بطاقات التعريف الوطنية و جنسيتنا مغربية كما تكون جنسية امازيغ الجزائر جزائرية وامازيغ ليبيا جنسيتهم ليبية.. فالعلم الاحمر المغربي الذي يمثل الدولة و هو سياسي بامتياز يمثل مؤسسات الدولة و الدولة بنفسها في المحافل الدولية و غيرها، و يمز المغرب عن غيره من البلدان كما لكل بلد علمه السياسي الخاص. لكن الحركات و التيارات و الشعوب كبيرة او صغيرة كانت لها اعلام ترمز لها، و ما العلم الامازيغي الا نموذج من بين الالاف من الاعلام، و هو كما قلت سابقا علم ثقافي صممته و اختارته فعاليات امازيغية ليكون ثقافيا يعبر عن الهوية الامازيغية لشمال افريقيا.
و بهذا اتمنى ان اكون قد ازلت اللبس عند البعض فيما يخص التسمية "امازيغ" و كذلك مسألة العلم الامازيغي (العلم acnyal = achnyal = أشنيال)
و لابد ان نستوعب ان الحركة الامازيغية ما هي الا تيار فكري نضالي من بين عشرات التيارات الاخرى التي توجد في هذا البلد، فإذا كنت تتهرب من هويتك و اصولك الامازيغية و تتنكر لها، فهناك من القوميين العرب من ينتظرونك لتنظم اليهم رغم انهم لا يعترفون بك و يحتقرون اصولك الامازيغية، و سيدعونك الى مساعدتهم في نشر العربية و تعريب ما لم يعرب كتغيير اسماء الاماكن و المدن و القرى و الادوات من اسمها الامازيغي الى اسم عربي، كأن يغيرو اسم مدينة اكادير الامازيغي الى "الحصن" او غيره .. و بالتالي يقضون -و هكذا فعلوا فعلا في الماضي- على كل ما يرمز لهوية و لغة شعب عريق و تتخيل نفسك عربي اصولك من مكة او من دمشق ! و لا اظن ان احدا في العالم مستعد للتخلي عن هويته و يعتنق هوية شعبا اخر الا ان كان ساذجا للغاية، لانه حتى الشعب الذي اعتنقت هويته لن يعترف بك يوما و سيضل يذكرك بماضيك و ما ناكرت من هويتك و انتمائك، بل انت بنفسك لن ترتاح "للهوية الجديدة" و ستضل تحمل اثار "لهوية القديمة" و تتذكر اصولك دائما.
فالاعتزاز بالهوية الامازيغية و التعريف بالثقافة الامازيغية و المطالبة بإعادة كتابة التاريخ بأقلام نزيهة و تدريسه كما هو دون تزوير، لهو شرف و فخر و هو امل التحرر و اعادة الاعتبار لذواتنا و الكف عن نبذها و الهروب منها و استبدال هويتنا و ثقافتنا بهويات و ثقافات شعوب اخرى كانت الى وقت قريب غريبة عنا، و لا تزال غريبة عنا في العديد من الامور من ثقافة و عادات و اسلوب العيش و نمط التفكير ... 
        مقالات من مواقع اخرى خارج المدونة:
التعليقات
قد يعجبك ايضا