
لا شك أن ما نلاحظه هذه السنوات من تكنولوجيا و فكر و غزو الفضاء جاء نتيجة فلسفة و حروب قاتلة في أوربا خصوصا، لكن قبل ذلك ظهرت الفلسفة في اليونان القديمة و ظهرت معها الديمقراطية و فكر متنور، تخيل في ذلك الوقت (400 سنة قبل الميلاد) في ساحة أكورا يتناقش الجميع حول امور الدين و المنطق و الرياضيات و الأسباب التي تجعل النظام الكوني يعمل، إنها البدايات الأولى لعمل العقل البشري و التي ظهر فيها فلاسفة لن ينساهم الإنسان ومن بينهم: أفلاطون و سقراط و طاليس و فيتاغورس و هرقليطس و أنيكسمانس و انيكسامندر ...
وغيرهم سواء كانوا طبيعيين في المراحل الأولى أو الذين و ضعوا مفهوم "الفلسفة" و "التفلسف" بعد الطبيعيين، إن الجو الفكري الذي كان يسود في الساحة "الأكورا" هو حلم كل فيلسوف حداثي أن يعيشه ! بعد ذلك جائت مرحلة العصور الوسطى خاصة المبكرة و التي شهدت انغلاقا فكريا في حياة البشرية و استبداد ديني و سياسي . هنا ظهرت الفلسفة الإسلامية على يد ابن رشد و الكندي و الفرابي وغيرهم والذين قاموا بترجمة الفلسفة اليونانية و نشرها كي يتعرف عليها المسلمين، لم يعتمدوا على "علم" الكلام قط بل تبنوا المنهج الأفلاطوني المبني على المنطق و الحجة وكان هذفهم إثبات الله و التوفيق بين ما جاء في الكتاب (القرآن والسنة) و المنطق العقلي، في تلك المرحلة ظهر علماء حقيقيين من المسلمين في كل المجالات التي كانت معروفة و كانوا بارعين في الطب و الفلكيات و الرياضيات.. لكن هذه الثورة الفكرية التي اعتمدت باأساس على الفكر اليوناني لم تستمر كي نرى ونستفيد من ثمارها اليوم ، حتى إن فكر ابن رشد و امثاله ثم قمعه عبر احراق مؤلفاتهم وتهجيرهم واتهامهم بالكفر و الزندقة.
لم تكن لتظهر الدولة العثمانية لو لم يكن إبن رشد والفرابي وابن سيناء، لكن كما قلت أخذ التاريخ مجرى اخر رغم الرابطة الأساسية التي مثلها المفكرين والفلاسفة المسلمين بين المرحلة اليونانية و مرحلة عصر الأنوار في أوربا، حيث درست أوربا مؤلفات العلماء المسلمين و قاموا ببعث الفلسفة اليونانية من جديد و التي سببت أو أدت إلى عصر النهضة و ظهور فلاسفة و علماء حداثيين وضعوا القواعد للفلسفة و العلوم خاصة العلوم التجريبية، تزامنا مع ذلك اسستطاعت الدولة الإسلامية (العثمانية) الإستمرار في فرض قوتها على أوربا و العالم حتى القرن الثامن عشر و بالظبط في 29 أكتوبر 1923 الذي ظهرت فيه الدولة البديلة: الجمهورية التركية التي قامت بفصل الدين عن الدولة و عرفت نموا اقتصاديا و تنمويا بعذ ذلك.
لكن ماذا يحدث في باقي العلم الإسلامي ؟ ! إنه ظهور الجماعات الدينية المتطرفة خاصة الإخوان المسلمين في مصر و بعد فشل الدولة العثمانية اقترحوا نظاما بديلا يسمونه "الحكم بالشريعة الإسلامية" وبدأوا بتجنيد الشباب عبر المساجد وربو فيهم ثقافة التعصب للشعوب الأخرى خاصة الغربية، حيث الديمقراطية في نظرهم كفر و هي للغرب أما نحن فلدينا خصوصيتنا ! لقد كلف ظهور تلك الجماعات لأجيال اليوم سنوات من البحث العلمي و الفكر و التنمية الإقصادية و أدوا بالعالم الإسلامي إلى مانراه اليوم : التخلف في كل شيء ! نعم في كل شيء !
بعد أن كانوا يخجلون من قول "أنا ضد الحداثة و الديمقراطية" السبعينيات و التسعينيات أصبحوا يقولونها الآن في كل مكان، عبر الأنترنيت و الإعلام و الأعمدة الصحفية .. حتى إنهم زرعوا مفاهمهم في نسبة كبيرة من الشباب حيث تجد طالب يدرس الرياضيات و لا يعرف معنى الصلاة و يطالب بالعدالة و المساواة لكن بمجرد أن يسمع حداثة و ديمقراطية يسرع في الرد: "إنها كفر و نظام عالمي للسيطرة على الإسلام و المسلمين" !!
إذن رسالتي هي أن هناك مفكرين أحرار يحاولون تحرير هذه الشعوب المسكينة من ويلات الجهل و التلاعب بالدين لكن من جهة أخرى هناك "مفكرين" (أغلبيتهم شيوخ ) يكبحون عجلة التنمية الفكرية و الإقصادية و حتى "الأخلاقية" ببلداننا ، ورغم كل ذلك فنحن متفائلون لأننا لا نزال في البداية ونحتاج فقط إلى 51% من أبناء الشعب يكونوا متعلمين وغير أميين لأن أكبر جمهور للجماعات الدينية المتطرفة هو الإنسان الأمي الذي لايجيد التفكير و يتأثر بالمشاعر (حتى إن أمرته بتفجير طفل صغير)